رفاعة الطهطاوي -تخليص الإبريز في تلخيص باريز

the river of france and its heritage and culture on a blue day
محمد سلطان - MA Sultan
يمكن رؤية خطاب الطهطاوي عن أهل باريس في قسمين أولهما هو وصف عام بصورة جمعية يغلب عليها وصف الرجال يعقبه ذِكرٌ خاص للمرأة الفرنسية في ميزان الطهطاوي كما رآها. وصف الطهطاوي للنساء الفرنسيات جعلهن في أقل المستويات دونية على الجانب الأخلاقي. أما على الجانب الخِلقي فمدح فيهن بحسن الصورة ولطافتها. ولذلك, أعتقد أن المقارنة بين وصف الطهطاوي للمرأة الباريسية والخطاب المعاصر للمرأة المصرية ودورها في المجتمع المصري على صلة كبيرة بالجانب الحداثي المتأثر بحقوق المرأة ودورها المجتمعي مثل الحقوق السياسة والشخصية فيما يخص اللباس و الإنخراط في نسيج المجتمع. أما على الجانب الأخلاقي فهناك شتان بين وصف المرأة الفرنسية الموسومة "بقلة العفاف"[1] والمرأة المصرية تحت براثن المجتمع الشرقي من العادات والتقاليد التي جعلت "شرف البنت كعود الكبريت" و "اكسر للبنت ضلع يطلع لها 24 ضلع". يستخدم أول المثالين لحصر شرف البنت في العملية الجنسية وغشاء البكارة فكما يكون اشتعال عود الكبريت لمرة واحدة فقط يكون غشاء البكرة حصريا لمرة واحدة فقط مما يتناقض مع تقاليد المجتمع-الشرقي المتدين "بطبعه"- التي تجعل الذنب والجريمة أمر قابلا للتوبة والغفران وليس دليلا على حسن المرء من سوءه. أما المثل الثاني فهو يحض علي العنف مع المرأة كسبيل لتقويم إعوجاجها ونشوزها. أعتقد أن هذه المثال هو واقع صارخ لإزدواجية المعايير عن المرأة السابق ذكرها بالعفاف والخلق في المقارنة مع المرأة الفرنسية. ولذلك, أعتقد أن دور المرأة في المجتمع المصري يختلف تماما عن نظيرتها في المجتمع الغربي على الصعيدين الأخلاقي والثقافي.

يبدأ الطهطاوي في وصف الفرنسية على أنها "كثيرة الزلات"[2] لا تعبئ بالقيود الأخلاقية كصون العرض والولاء للزوج. ثم يستطرد الطهطاوي في وصفهن بصورة استنكارية على قمة الهرم المجتمعي قبل الرجل وحتي الحصان[3]. أيضاً, يصف الطهطاوي المرأة الفرنسية على أنها كثيرة "الإختلاط بالرجال" و "متبرجة بالزينة" مما يجعلهن "المنعمات بمالهن أو جمالهن".يجدر بالذكر أيضا أنه فرَّق بين المرأة البيضاء ومن يشوب لونها سمرة مما يدل على النظرة الدونية العنصرية حتي بين النساء لمن لسن من أصل فرنسي أبيض[4].

عند الحديث عن المرأة المصرية في الخطاب العصري يكون جُل الإهتمام منصبا على دورها الشخصي في المجتمع مثل تساوي فرص العمل ونيل حقوق مدنية متساوية مع الرجل. أما المظهر في المجتمع المصري فهو إلي حد كبير يقع تحت طائلة العرف والعادات. فمثلا, مع التطور الثقافي في الخمسينيات ظهرت صيحات الموضة مثل التنورات (القصيرة أو الطويلة) والبنطال (الضيق أو الواسع) مما رسخ لهذا المظهر وأًصبح عادة في الوقت الحالي محكومة بنظرة المجتمع للصواب والخطأ. فبعد أن كان لبس البنطال للمرأة يعد جريمة أخلاقية أصبح الأمر مقتصرا على ما كان ضيقا منه فقط وعلى نفس الدرب صارت التنورة الفضفاضة دليل على حسن الخلق و إلتزام الأسرة بالتقاليد - مقارنة بالتنورات القصيرة- بل ويكثر لبسها من أهل الإلتزام بالتقاليد والتدين بعد أن كانت التنورات في العموم وصمة عار في المجتمعات الدنيا والمتوسطة.

عند تناول الجانب الأخلاقي أرى الأمر مشوشا لأن الجانب الخُلُقي في المجتمع المصري يختلف بإختلاف المكان والمجتمع. فمثلا طبقا لتجاربي الشخصية في السفر رأيت أن أخلاق أهل البادية وصعيد مصر حتي حدود أهل النوبة في ضفتي النيل مُنصَبة على بلورة المرأة في اللبس الساتر وعدم الإختلاط مطلقا. أما الخُلُق الرئيس للمرأة في الوجة البحري لمصر تكون بالإلتزام بحدود التعامل مع الغريب والتي تكون فيها إتاحية للتعامل مع الغريب بصورة أكبر من باقي مصر. أعني أنه رغم إختلاف مفهوم الأخلاق في المجتمع المصري إلا أنه يجمعهم إطار عام ولكن في المجتمع الفرنسي مفهوم الأخلاق نفسه هو موضع إستفهام. فمثلا عندما تعيش المرأة مع صديقها في منزل واحد لن يظن فيها الناس بسوء الخلق لأن هذا الأمر هو الشائع في مجتمعهم بإختلاف الحال عن المجتمع المصري. وبتناول المجتمع الغربي بصورة أشمل ربما نجد أن ظاهرة مثل عاملات الجنس يكاد يُنظر لها كونها عمل لا يخالطه أخلاق بل يكون في صفة تعاقديه يحميها القانون وينظم مسارها. علي سبيل المثال, في العام 1997 تم نشر دراسة في الموسوعة العالمية للجنسانية تنص على أن العاملات في هذا المجال في ألمانيا تجاوزن 200000 عاملة في التسعينيات فقط[5]. أما فى المجتمع المصري فعاملات الجنس يعملن بصورة غير شرعية أو قانونية رغم إنتشارهن وتضاعف أعدادهن بصورة ملحوظة[6]. بل حتى المهور المرتفعة ترغم الشباب والشابات لإنشاء علاقات خارج إطار الزواج. أعني أن التقاليد المزعومة للحفاظ علي الأخلاق والوضع العام للمجتمع أصبحت السبب الرئيس لإفشال تلك المنظومة ويكأن الأمر هو برمته ما إلا مجموعة من الشعارات خاوية المعنى.

أما فيما يخص الدور الثقافي والإجتماعي فأيضا دور المرأة- وإن كان في تحسن ملحوظ- فهو يختلف كليا عن المرأة الغربية. في واقع الأمر أن المرأة العربية مازلت تحارب من أجل حقوقها الأساسية فيما يخص إما مساوتها مع الرجل في تكافئ فرص العمل والحقوق المدنية أو دورها الإجتماعي بدءا من دورها الأسري ثم المجتمعي. المرأة في المجتمع العربي مازلت مقولبة في الأعمال المنزلية والتربوية الأسرية ممثلة إياها ككائن مخصوص لمهمة مخصوصة ألا وهي حفظ المنزل وإرضاء عائل الأسرة. المرأة الفرنسية في ذلك الخضم تختلف من ناحية الحرية المالية وحرية العمل واتخاذ القرارات مما يجعلها القائمة على أمر نفسها وهذا هو ما وصفه الطهطاوي من أكثر من مئة سنة. بعد كل هذه المدة ما زالت المرأة العربية تصارع من أجل هذا الأمر ولا شك أنا هناك تقدم ملحوظ في دور المرأة في المجتمع العربي. فمثلا وصلت المرأة لتكون قاضية في المحكمة الدستورية المصرية[7] وأصبحت وزيرة وناظرة مدرسة ولكن هل هذه التقدم يساوي المرأة العربية بنظيرتها الغربية؟ قطعا لا فالمرأة في المجتمع العربي تكون مُستَغَلة لا مستقلة. الدليل على ذلك أن المرأة كقاضية تكون فقط في محاكم الأسرة لا الجنائية وإن كانت في محكمة عليا فتكون دائما مؤدلجة لفريق بعينه مما يعني أن أي امرأة من اتجاه سياسي مختلف محكوم عليها بالفشل.




T, Robert and N, Raymind.(1997). The International Encyclopedia of Sexuality. ISBN:  0826412742.
حماد,م. (5 ديسمبر 2014). خريطة الدعارة في مصر. جريدة فيتو.





[1] ص 88
[2] ص 87
[3] ص 91
[4] ص 90
[5] الموسوعة العالمية للجنسانية (1997-2001).
[6] من لقاء جريدة فيتو مع اللواء مجدي موسى , مساعد وزير الداخلية.
[7][7] القاضية تهاني الجبالي

إرسال تعليق

0 تعليقات